فصل: سنة اثنتين وخمسين واربع مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة خمسين واربع مائة

فيها توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير أبو الطيب طاهر بن عبدالله بن طاهر الطبري الشافعي‏.‏

كان ديناً ورعاً عارفاً بالأصول والفروع محققاً في علمه سليم الصدر حسن الخلق صحيح المذهب يقول الشعر‏.‏

ومن شعره ما أرسل به بالغزالي لأبي العلاء المعري حين أتى بغداد‏:‏

لمن شاء في الحالين حياً وميتاً ** ومن رام شرب الدر فهو مضلل

إذا طعنت في السن فاللحم طيب ** وآكله عند الجميع معقل

وخوف بها للأكل فيها كزازة ** فما لحضيض الرأي فيه مأكل

وما يجتبي معناه إلا مبزر ** عليم بأسرار القلوب محصل

فأجابه المعري مملياً على الرسول ارتجالاً‏:‏

جوابان عن هذا السؤال كلاهما ** صواب وبعض القائلين مضلل

فمن ظنه كرماً فليس بكاذب ** ومن ظنه نخلاً فليس يجهل

لحومهما الأعناب والرطب الذي ** هو الحبل والدر الرحيق المسلسل

ولكن ثمار النخل وهي غضيضة ** تراها وغض الكرم يجبى ويؤكل

يكلفني القاضي الجليل مسائلاً ** هي النجم قدراً بل أعز وأطول

فأجابه أبو الطيب‏:‏

أثار ضميري ناظماً من نظيره ** من الناس طراً شائع الفضل يكمل

ومن قبله كتب العلوم بأسرها ** وخاطره في جدة النار مشعل

وقربه من كل فهم بكشفه ** وإيضاحه حتى رآه المغفل

وأعجب منه نظمه الدر مسرعاً ** ومرتجلا من غير ما يتمهل

فيفخر من يجر ويسمو مكانه ** جلالاً له حيث الكواكب ينزل

فهنأه الله الكريم بفضله ** محاسنه جم وعمر مطول

فأجابه المعري مرتجلاً مملياً على الرسول‏:‏

ألأليها القاضي الذي بلهاته ** سيوف على أهل الخلاف تسلسل

فؤادك معمور من العلم أهله ** وجدك في كل المسائل مقبل

فإن كنت بين الناس غير ممول ** فأنت من الفهم المصون ممول

إذا أنت خاطبت الخصوم مجادلاً ** فأنت وهم حاكي الحمام وأجدل

كأنك من في الشافعي مخاطب ** ومن قلبه تملى فما تتمهل

وكيف بذي علم ابن ادريس دارساً ** وأنت بإيضاح الهدى متكفل

تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ** ما فعلت وكفي عن جوابك أجهل

عاش القاضي أبو الطيب رحمه الله مائة وستين سنة‏.‏

قلت وربما سمعت من بعض شيوخنا‏:‏ وعشرين سنة ولم يهن عظمه حتى حكى أنه أتى على نهر أو مكان يحتاج إلى طفرة كبيرة فطفره ثم قال‏:‏ أعضاء حفظها الله تعالى في صغرها فقراها في كبرها أو كما قال رضي الله تعالى عنه‏:‏ وكذلك لم يحتل عقله ولا تغير فهمه يفتي ويستدرك على الفقهاء الخطأ و يقضي ببغداد ويحضر المراكب في دار الخلاف إلى أن مات‏.‏

تفقه على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاضي في طبرستان وعلى أبي سعيد الإسماعيلي وأبي القاسم تناكح بجرجان ثم ارتحل إلى نيسابور وأدرك أبا الحس الماسرجسي فصحبه أربع سنين وتفقه عليه ثم ارتحل إلى بغداد وحضر مجلس الشيخ أبي حامد الأسفرائيني وعليه اشتغل أبو إسحاق الشيرازي وقال في حقه‏:‏ لم أر فيمن رأيت أكمل اجتهاداً وأشد تحقيقاً وأجود نظراً منه وشرح مختصر المزني وفروع ابن حداد المصري وصنف في الأصول والمذهب والخلاف والجدل كتباً كثيرة‏.‏

وقال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ لازمت مجلسه بضع عشر سنة ودرست أصحابه في مسجده سنتين بإذنه واستوطن ببغداد وولي القضاء بربع الكرخي بعد موت عبدالله الصيمري ولم ينزل على القضاء إلى حين وفاته رحمه الله تعالى‏.‏وفيها توفي الإمام النحرير الكبير أقضى القضاة أبو الحسين علي بن محمد البصري الماوردي الشافعي مصنف الحاوي الكبير النفيس الشهير والإقناع و أدب الدنيا والدين و الأحكام السلطانية و قانون الوزارة وسياسة الملك وتفسير القرآن الكريم والقلب والعيون وصنف في أصول الفقه والأدب وغير ذلك وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير بصيراً بالعربية ولي قضاء بلاد كثيرة ثم سكن بغداد وعاش ستاً وثمانين سنة تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة وعلى الشيخ أبي حامد الأسفرائيني ببغداد وحدث عن جماعة وكان حافظاً للمذهب‏.‏

درس العلوم‏.‏

وروى عنه الخطيب صاحب تاريخ بغداد‏:‏ وانتفع الناس به وقيل إنه لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته وإنما جمع جميعاً في موضع فلما دنت وفاته قال لشخص يتولاه‏:‏ الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة لله تعالى فإذا عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل من سنن منها فالقها في دجلة وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها قد قبلت وقد ظفرت بما كنت أرجوه‏.‏ففعل الموصي ذلك فبسط يده ولم يقبضها على يده فعلم أنها علامة القبول فأظهر كتبه بعده‏.‏

وذكر الخطيب في أول تاريخ بغداد عن الماوردي قال‏:‏ كتب إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد‏:‏ طيب الهوى ببغداد يشوقني قدماً إليها وإن علقت مقادير فكيف صبري عنها الآن إن جمعت طيب هوائين ممدود ومقصور‏.‏

وقيل إنه لما خرج من بغداد راجعاً إلى البصرة كان أقمنا كارهين لها فلما ألفناها خرجنا مكرهينا وما حب البلاد بنا ولكن أمر العيش فرقة من هوينا خرجت أقر ما كانت بعيني وخلفت القرار بها رهينا والماوردي نسبة إلى الماورد وعمره ست وثمانون سنة رحمة الله عليه‏.‏

 سنة احدى وخمسين واربع مائة

فيها توفي أبو المظفر عبد الله بن شبيب الضبي مقرىء أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها‏.‏

 سنة اثنتين وخمسين واربع مائة

فيها توفي شيخ لإقراء بمصر‏:‏ محمد بن أحمد المقرىء بقزوين أخذ عن طاهر ابن غلبون وسمع من أبي الطيب والد طاهر وعبدالله الكلابي وطائفة‏.‏

 سنة ثلاث وخمسين واربع مائة

فيها توفي أبو العباس ابن نفيس شيخ القراء أحمد بن سعيد المصري‏.‏

وفيها توفي نصر الدولة صاحب ديار بكر أحمد بن مروان الكردي ملك بعد أن قتل أخوه منصور بن مروان وكان رجلاً مسعوداً على الهمة حسن السياسة كبير الحزم‏.‏

وحكى بعض المؤرخين أن نصر الدولة المذكور لم يصادر في دولته أحداً سوى شخص واحد وأنه لم تفته صلاة الصبح عن وقتها مع انهماكه في اللذات وإنه كان له ثلاثمائة وستون جارية يخلو في كل ليلة من ليالي السنة بواحدة منهن ثم لا يعود القربة إليها إلا في تلك الليلة من العام الثاني وأنه قسم أوقاته فمنها ما ينظر فيه مصالح دولته ومنها ما يجتمع فيه بأهله والداب ويصل إلى الدابة ويقضي أوطاره‏.‏

 سنة أربع وخمسين واربع مائة

فيها بلغت دجلة إحدى أو عشرين ذراعاً وغرقت بغداد‏.‏

وفيها انتصر المسلمون على الروم وغنموا وسبوا حتى بيعت السرية الخبازة بمائة درهم‏.‏

وفيها توفي أبو نصر زهير بن الحسن الرضي الفقيه الشافعي مفتي خراسان والإمام المقرىء الزاهد أحد العلماء العاملين‏.‏

قال أبو سعيد السمعاني‏:‏ كان مقرئاً كثير التصانيف حسن العيش قانعاً منفرداً عن الناس يسافر وحده ويدخل البراري‏.‏

سمع بمكة وبالري ونيسابور وبجرجان وبأصبهان وببغداد وبالبصرة وبالكوفة وبدمشق وبمصر وكان من أفراد الدهر‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو عبدالله محمد بن سلامة الفقيه الشافعي قاضي الديار المصرية القضاعي مصنف كتاب الشباب و كتاب مناقب الإمام الشافعي و كتاب الأنباء عن الأنبياء و تواريخ الخلفاء قال ابن ماكولا‏:‏ كان متفنناً في عدة علوم لم أر بمصر من يجري مجراه‏.‏

وذكر السمعاني في كتاب الذيل أنه حج الخطيب والقضاعي سنة خمس وأربعين وأربعمائة فسمع الخطيب منه‏.‏

وفيها توفي شرف الدولة ابن باديس بالموحدة قبل الألف ابن منصور الحميري الصنهاجي صاحب إفريقية وما والاها من بلاد المغرب‏.‏

وكان الحاكم صاحب مصر قد لقبه شرف الدولة وسير له تشريفاً وسجلاً وكان ملكاً جليلاً عالي الهمة محباً لأهل العلم كثير العطاء وكان واسطة عقد بيته ومدحه الشعراء وانتجعه الأدباء وكانت حضرته محط ذوي الآمال‏.‏

وكان مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه بإفريقية أظهر المذاهب فحمل أهل المغرب على التمسك بمذهب مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه وحسم مادة الخلاف في المذهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن وقطع خطبة المستنصر بالله العبيدي وخلع طاعته وخطب الإمام للقائم بأمر الله خليفة بغداد واستمر على ذلك‏.‏

وأخبار المعز بن باديس كثيرة وسيرته شهيرة وله شعر قليل‏.‏

وكان يوماً جالساً في مجلسه وعنده جماعة من الأدباء وبين يديه أترجة ذات أصابع فأمرهم فيها شعراً أترجة سبطة الأطباق ناعمة تلقى العيون بحسن غير منحوس كأبما بسطت كفاً لخالقها تدعو لطول بقاء لابن باديس سنة خمس وخمسين واربع مائة فيها توفي أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالقاف أول ملوك السلجوقية كانوا يسكنون قبل استيلائهم على الممالك فيما وراء النهر قريباً من بخارى كانوا عدداً غير محصور لا يدخلون تحت طاعة سلطان فإذا قصدهم جمع لا يقوون عليه دخلوا المفاوز وتحضنوا بالرمال وجرت لهم مع ولاة خراسان أمور يطول ذكرها وشرحها وحاصل الأمر أنهم استظهروا على الولاة وظفروا بهم وملكوا البلاد وكان ابتداء أمرهم في سنة تسع وعشرين وأربعمائة وكان السلطان أبو طالب محمد المذكور كبيرهم وإليه الأمر والنهي في السلطنة وأخذ أخوه داود مدينة بل واتسع لهم الملك واقتسموا البلاد وانحاز السلطان مسعود إلى غزنة ونواحيها وكانوا يخطبون له في أول الأمر فعظم شأنهم إلى أن راسلهم القائم بأمر الله وكان الرسول بينهم وبينه الماضي أبا الحسن علي بن حبيب الماوردي مصنف الحاوي الكبير في الفقه وكان السلطان محمد المذكور حليماً محافظاً على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة وكان يصوم الاثنين والخميس ويكثر الصدقات ويبني المساجد ويقول استحي من الله تعالى أن أبني داراً لا أبني إلى جانبها مسجداً‏.‏

ثم إنه تمهدت له البلاد وملك العراق وبغداد وسير إلى الإمام القائم يخطب إليه بنته فشق على القائم واستعفى منه وترددت الرسل بينهما فلم يجد من ذلك بداً فزوجه بها وعقد العقد بمدينة تبريز ثم توجه إلى بغداد فلما دخلها طلب الزفاف وحمل مائة ألف دينار برسم حمل القماش ونقله فزفت إليه بدار المملكة وجلست على سرير ملبس من ذهب ودخل السلطان إليها فقبل الأرض بين يديها ولم يكشف البرقع عن وجهها في ذلك الوقت وقدم لها تحفاً يقصر الوصف عن ضبطها وقبل الأرض وقدم وانصرف فظهر عليه السرور‏.‏

وبالجملة فأخبار الدولة السلجوقية كثيرة ومقصودنا الاختصار وسنذكر جماعة من ملوكهم في السنين التي توفوا فيها إن شاء الله تعالى‏.‏

وتوفي السلطان المذكور يوم الجمعة ثامن عشر رمضان من السنة المذكورة‏.‏

وذكر عنه السمعاني أنه قال‏:‏ رأيت وأنا بخراسان في المنام كأني رفعت إلى السماء وأنا في ضباب لا أبصر شيئاً غير أني أشم رائحة طيبة فنوديت‏:‏ أنت قريب من الباري جلت قدرته فسل حاجتك تقض فقلت في نفسي‏:‏ أسألك طول العمر فقيل‏:‏ لك سبعون سنة فقلت‏:‏ يارب لا يكفيني فقيل‏:‏ لك سبعون سنة‏.‏

ولما حضرته الوفاة قال‏:‏

إنما مثلي مثل شاة شدت قوائمها ** بحبل الصوف فنظن أنها تذبح

فتضطرب حتى إذا ** أطلقت تفرح ثم تشد للذبح

فتظن أنها تشد بحبل ** الصوف للذبح فتسكن فتذبح

وهذا المرض الذي أنا **فيه هو شد القوائم للذبح‏.‏- فمات منه - رحمه الله تعالى وعمره سبعون سنة‏.‏

وفيها توفي أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي الأصبهاني المؤدب‏.‏

وكان صالحاً ثقة سنياً كثير الحديث‏.‏